ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

حسين مني و انا من حسين اللهم احب من يحب حسينا لقد كان ابو عبد اللّه سيد شباب اهل الجنة، ريحانة جده المصطفى و أحد الخمسة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و باهى بهم النبي (صلى الله عليه واله) نصارى نجران كما نص على ذلك اكثر المؤرخين و المحدثين و المفسرين لكتاب اللّه، و كان الإمام بنص الرسول و أبيه و أخيه عليه.
ولد (عليه السلام) في المدينة لخمس خلون من شعبان في السنة الرابعة للهجرة، و جاء عن اسماء بنت عميس: ان الزهراء اولدته بعد حول من مولد اخيه الحسن فجاءها النبي (صلى الله عليه واله) و قال: يا اسماء هاتي ابني فدفعته إليه و هو ملفوف بخرقة بيضاء فاستبشر به و أذن في اذنه اليمنى و أقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره و بكى، فقلت: فداك ابي و أمي يا رسول اللّه ممّ بكاؤك؟
قال ابكي لما يصيبه بعدي و ستقتله الفئة الباغية لا انا لهم اللّه شفاعتي، و مضى يقول لعلي (عليه السلام): هل سميته يا ابا الحسن؟ فقال: ما كنت لأسبقك في اسمه، و كنت احب ان اسميه حربا، فقال: سمه حسينا، و في اليوم السابع عق عنه كبشا و تصدق بوزن شعره فضة كما فعل مع اخيه الحسن من قبل.
و جاء في كثير من المرويات انه لم يرضع من ثديي أمه و لا من غيرها، و كان النبي (صلى الله عليه واله) يضع ابهامه في فمه فيمتص منها ما يكفيه ليومين او ثلاثة.
و روى ابن شهر اشوب في مناقبه: ان فاطمة الزهراء (عليه السلام) اعتلت بعد ان أولدت الحسين و جف لبنها فطلب له رسول اللّه من ترضعه فلم يجد له مرضعة فكان يأتيه و يلقمه ابهامه فيمصها فكان غذاؤه منها أربعين يوما حتى نبت لحمه من لحم رسول اللّه (صلى الله عليه واله).
و روى الرواة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: لم يرضع جدي الحسين من ثدي فاطمة و لا من انثى غيرها، بل كان يؤتى به النبي فيضع ابهامه في فيه فيمتص منها ما يكفيه اليومين و الثلاثة.
و مهما كان الحال فالذي لا ريب فيه ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يلقمه ابهامه احيانا، و أحيانا لسانه، أما أنه لم يرضع من ثدي أمه و لا من امرأة غيرها أبدا، فالروايات التي تعرضت لهذه المرحلة من طفولته لا تنهض لإثبات ذلك.
و كان (عليه السلام) كما تصفه المرويات اشبه الناس جسما برسول اللّه، و إن الحسن (عليه السلام) كان أشبه الناس به وجها، شديد القوة ربعة ليس بالطويل و لا بالقصير لم ير الناس أحسن منه، و قد أحبه الرسول و غمره بعطفه و حنانه، و كان يؤلمه بكاؤه فيوصي الزهراء بالحدب عليه و الرفق به و التوجه إليه ثم يأتيه فيحمله حينا بين يديه و أحيانا على كتفه و يخرج به الى الناس، فإذا جلس وضعه في حضنه، و إذا تفلت منه و مشى لا تفارقه عيناه، و رآه مرة و هو يتعثر في قميص له و كان يخطب الناس، فنزل عن منبره حتى أخذه و عاد إلى خطبته من حيث قطعها و هو يقول: الأولاد فتنة.
Ùˆ قال الاستاذ أحمد عاشور في كتابه سيد شباب أهل الجنة: Ùˆ لو أنك تصفحت الصحاح من كتب السنّة لرأيت عشرات الاحاديث الناطقة بفضل‏
الحسين الشاهدة بقدره و حب الرسول له، بل إنك لترى في هذه الكتب عشرات من الإيماءات و الإشارات التي تدل على أن اللّه سبحانه قد أحاط نبيه محمدا (صلى الله عليه واله) بالكثير مما واجهه الحسين (عليه السلام) في حياته من مصاعب و ما لاقاه من إحن و محن و فتن، حتى لقد أوشك أن يخبر صلوات اللّه و سلامه عليه بمأساة كربلاء و ما أزهق فيها من أنفس و أريق فيها من دماء، بل أخبر اصحابه بذلك في بعض المناسبات كما يوحي إلى ذلك موقف زهير بن القين حينما دخل عليه الحسين (عليه السلام) و هو في طريقه الى كربلاء و زهير بن القين عائد من الحج و كان عثمانيا فلما اجتمع إلى الحسين حول رحله إلى رحاله و قال لأصحابه: لقد غزونا مع سلمان الفارسي ففتح اللّه علينا و غنمنا، فقال لنا سلمان: اذا أدركتم قتال سيد شباب أهل الجنة فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم من هذه الغنائم. و معلوم ان سلمان الفارسي ما كان له أن يعلم ما سيجري في المستقبل لو لا إخبار النبي (صلى الله عليه واله) له بذلك.
و روى الرواة أيضا ان عليا (عليه السلام) مر بكربلاء فوقف عندها طويلا و بكى ثم حدث عما سيجري في تلك البقعة على ذريته، و ما كان لعلي و غيره ان يعلم ما يجري عليه و على ذريته الا بواسطة النبي الذي يتلقى علم ذلك عن طريق الوحي، كما حدثت أم سلمة رضوان اللّه عليها عما سيجري عليه في كربلاء و روى الرواة عنها أن جبرائيل لما أخبر النبي بما يجري على ولده الحسين تناول قبضة من ترابها و أعطاها رسول اللّه إليها و أخبرها بأنها عند قتل الحسين ستفور دما و كان الأمر كذلك، و لقد حدثت الحسين بذلك عند ما ودعها و هو في طريقه الى العراق فأكد لها ما سمعته من جده، و أعطاها أيضا من تراب كربلاء، فكانت تتعاهد التربة منذ أن اتجه أبو عبد اللّه الى العراق، و في اليوم العاشر من المحرم فقدتها كعادتها فوجدتها تفور دما عبيطا، و كانت أول من علم بقتله من أهل الحجاز كما جاء في كثير من الروايات و إن كان أكثرها ليس في المستوى المطلوب.
Ùˆ مهما كان الحال فلقد بقي الحسين مع جده النبي سبع سنين أو أقل‏ من ذلك بقليل حسب اختلاف الروايات في تاريخ ولادته، Ùˆ كان قد سماه حسينا كما سمى اخاه حسنا من قبله، Ùˆ ظل في رعايته إلى أن انتقل لربه، فكانت نفسه الكريمة على صغره ترسم كل ما يصدر عن النبي من قول Ùˆ فعل، فلم يعرف احدا قبل جده Ùˆ لا أحس بعطف انسان قبل عطفه Ùˆ كان يغذيه من لسانه ما يكفيه اليومين Ùˆ الثلاثة على حد تعبير الرواة حتى اشتد Ùˆ ثبت لحمه Ùˆ اتسعت نفسه الكبيرة لمعاني الرسالة Ùˆ أهدافها Ùˆ غمرته بروحانيتها، Ùˆ قال فيه جده أكثر من مرة: حسين مني Ùˆ أنا من حسين.
و روى الرواة عن البراء بن عازب انه قال: رأيت النبي (صلى الله عليه واله) يحمل الحسين على عاتقه و يقول: اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه، و انتقل بعد جده الى أحضان أبيه أمير المؤمنين، و هو في السابعة من عمره، و شارك أباه و أمه في محنتهما بفقد الرسول و اقصاء أبيه عن حقه في الخلافة، و شاهد أمه خلال الاشهر القليلة التي عاشتها بعد جده لا يقر لها قرار لفراق أبيها تندبه في الليل و النهار، و لا يفوتها و هي في هذا الجو القاتم أن تطالب القوم بما اغتصبوه منها و من ابن عمها و تقارعهم بالحجج الدامغة و البراهين الساطعة، و هم جادون في هضمها و اغتصاب حقها، حتى بلغ بهم الحال ان هاجموا بيتها و هموا بإحراقه بمن فيه كما حدث الرواة بذلك.
لقد شاهد ابو عبد اللّه الحسين كل ذلك في مطلع صباه فكان يتلوى من الألم و يقاسي مرارة تلك الاحداث و هو إلى جانب أبيه و أخيه حتى كانت وفاة أمه فتضاعفت آلامه و اشتد وقعها على نفسه، و بقي إلى جانب أبيه يتأسى بصبره و جلده حتى اجتاز تلك المرحلة من حياته بنفس مطمئنة لقضاء اللّه و قدره كما اجتازها أبوه و أخوه، و بقي إلى جانب أبيه أكثر من ثلاثين عاما مخلصا لرسالة جده متنكرا للباطل و أهله شديدا على الظالمين لا يهادن و لا يحابي أحدا على حساب دينه، و لا تغريه دنياهم بما فيها من مفاتن و مغريات، ينشطه الجور و يوقظه الظلم و يثيره أنين الضعفاء و عويل المنكوبين، فيرفع صوته الذي كان يدوي في أطراف الحجاز و العراق فيقض مضاجع الظلمة و الطغاة: ألا و إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما.
و لقد أجمع المؤرخون و الرواة على أنه كان مثالا للفضائل و مكارم الأخلاق و محاسن الأعمال مفيدا من علمه الواسع الذي ورثه عن جده و أبيه مرشدا بأعماله قبل أقواله سخيا بماله على الفقراء و ذوي الحاجات متواضعا في نفسه يناصر الحق و يحارب المنكر و يتحلى بالصبر و الحلم و العفاف و المروءة و الورع، من أعبد الناس و أزهدهم في الدنيا و ملذاتها.
و كان اذا تحدث عن الدنيا و دور الإنسان فيها يقول:
عباد اللّه اتقوا اللّه و كونوا من الدنيا على حذر، فإنها لو بقيت لأحد او بقي عليها أحد لكانت للأنبياء أحق بالبقاء و أولى بالرضا غير ان اللّه خلق الدنيا للبلاء و خلق أهلها للفناء فجديدها بال و نعيمها مضمحل و سرورها مكفهر فتزودوا فإن خير الزاد التقوى و اتقوا اللّه لعلكم تفلحون.
و مجمل القول: ان الحديث عن الحسين (عليه السلام) غني بالمواد و بكل معاني النبل و التضحية و الفداء لأنه يأتي في القمة بين المصلحين و عظماء التاريخ و الثائرين على الظلم و الطغيان و قد أبت نفسه الكريمة الطاهرة الا أن تكون القدوة الحسنة و المثل الاعلى لكل مصلح و لكل ثائر على الظلم و الظالمين، و لكل أبي كريم يؤثر الموت تحت ظلال السيوف على الحياة بين أطمار الذلة و في ظل الجبابرة، و ختم حياته و السيوف تنهش من جسمه و هو يقول: لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا أقر لكم إقرار العبيد، و لا يزال و سيبقى رمزا للبطولات و التضحيات و حديثا كريما طيبا للأجيال تستمد من معانيه و أبعاده الخيرة أقدس المثل و أكثرها عطاء في تاريخ البشرية الطويل.
و لا بد لنا و نحن بصدد الحديث عن سيرته من عرض سريع لمراحلها راجين منه سبحانه أن يوفقنا لأن نستلهم منها الحق و الثبات على الحق و البذل و العطاء في سبيل اللّه كما بذل و أعطى سيد الشهداء (عليه السلام).