انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

اعلم أنه لما أجاز يزيد بن معاوية لبنات رسول اللّه و الذرية الطيبة أن ينحن على الحسين (عليه السلام) و يقمن المآتم عليه و وعد علي بن الحسين (عليه السلام) أن يقضي له ثلاث حاجات فأقمن المآتم أياما- و قيل سبعة أيام- فلما كان اليوم الثامن دعاهم يزيد و عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك و قالوا بل ردنا إلى المدينة فإنها مهاجر جدنا (صلى اللّه عليه و آله). فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللّه: جهز هؤلاء النسوة بما يصلحهم و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا و ابعث معهم خيلا و أعوانا ثم كساهم و حباهم و فرض لهم الأرزاق و الأنزال.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): Ùˆ لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين (عليه السلام) فاستخلى به ثم قال: لعن اللّه ابن مرجانة أم Ùˆ اللّه لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا الا أعطيته إياها Ùˆ لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت Ùˆ لكن اللّه قضى ما رأيت كاتبني من المدينة Ùˆ انه إلي كل حاجة تكون لك. Ùˆ تقدم بكسوته Ùˆ كسوة أهله Ùˆ أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل Ùˆ يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا انتحى عنهم Ùˆ تفرق هو Ùˆ أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم Ùˆ ينزل منهم بحيث إن أراد إنسان من جماعتهم‏ وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم فصار معهم في جملة النعمان Ùˆ لم يزل ينازلهم في الطريق Ùˆ يرفق بهم كما وصاه يزيد Ùˆ يرعاهم حتى دخلوا المدينة- انتهى‏ .
Ùˆ نقل عن اليافعي قال: ذكر الحافظ أبو علاء الهمداني: أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين (عليه السلام) بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم Ùˆ ضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين (عليه السلام) Ùˆ من بقي من أهله Ùˆ جهزهم بكل شي‏Ø¡ Ùˆ لم يدع لهم حاجة إلا أمر لهم بها .
و في اللهوف: و قال لعلي بن الحسين عليه السلام: اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن. فقال عليه السلام: الأولى أن تريني وجه سيدي و مولاي و أبي الحسين (عليه السلام) فأتزود منه و الثانية أن ترد علينا ما أخذ منا و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن.
فقال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا و أما قتلك فقد عفوت عنك. و أما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة و أما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته.
فقال عليه السلام: أما مالك فلا نريده و هو موفر عليك و إنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد (صلى اللّه عليه و آله) و مقنعتها و قلادتها و قميصها.
فأمر برد ذلك Ùˆ زاد فيه من عنده مائتي دينار فأخذها زين العابدين (عليه السلام) Ùˆ فرقها في الفقراء ثم أمر برد الأسارى Ùˆ سبايا الحسين (عليه السلام) إلى أوطانهن بمدينة الرسول (صلى اللّه عليه Ùˆ آله)‏ .
و في بعض المقاتل: لما أرادوا الرجوع إلى المدينة أحضر يزيد لهم المحامل و زينها و أمر بالانطاع (من ظ) الابريسم و صب عليها الأموال و قال: يا أم كلثوم خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم. فقالت أم كلثوم: يا يزيد ما أقل حياؤك و أصلب وجهك تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم مالا و اللّه لا كان ذلك أبدا .
من أين تخجل أوجه أموية سكبت بلذات الفجور حياءها
و في الكامل البهائي: روي أن أم كلثوم أخت الحسين (عليه السلام) توفيت بدمشق سلام اللّه عليها .
Ùˆ قال أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف بابن بطوطة المعاصر لفخر المحققين ابن العلامة في رحلته المسماة بتحفة النظار في غرائب الأمصار: Ùˆ بقرية قبلي البلد- أي بلدة دمشق- على فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) من فاطمة عليها السلام Ùˆ يقال ان اسمها زينب عليها السلام Ùˆ كناها النبي (صلى اللّه عليه Ùˆ آله) أم كلثوم لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه Ùˆ آله) Ùˆ عليه مسجد كبير Ùˆ حوله مساكن Ùˆ له أوقاف Ùˆ يسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم‏ .
قال السيد (رحمه الله): فأما رأس الحسين فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده لشريف Ùˆ كان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه Ùˆ رويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب‏ .
أقول: اختلفت الكلمات في مدفن الرأس الشريف عليه أفضل التسليمات فقال قوم: أنه بعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص عامله على المدينة فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها السلام.
و قيل: إنه كان في خزانة يزيد إلى أن دخل منصور بن جمهور خزانته فوجده في جونة حمراء و هو مخضوب بالسواد فدفنه بدمشق عند باب الفراديس.
Ùˆ قيل: وجده سليمان بن عبد الملك بن مروان في خزانة يزيد فكساه خمسة من الديباج Ùˆ صلى عليه في جماعة من أصحابه Ùˆ قبره‏ .
و الذي اشتهر بين علمائنا الامامية أنه أما دفن مع جسده الشريف رده علي بن الحسين عليه السلام و أنه دفن عند أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في أخبار كثيرة.
قال ابن شهرآشوب: ذكر المرتضى في بعض مسائله أن رأس الحسين رد إلى بدنه بكربلاء من الشام Ùˆ ضم إليه. Ùˆ قال الطوسي: Ùˆ منه زيارة الأربعين‏ .
Ùˆ في تاريخ حبيب السير: أن يزيد بن معاوية سلم رءوس الشهداء إلى علي ابن الحسين (عليهما السلام) فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر ثم توجه إلى المدينة الطيبة. Ùˆ قال: هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم‏ .
و ذكر السبط في التذكرة فيه خمسة أقوال: دفنه بكربلاء و في المدينة عند قبر أمه عليها السلام و بدمشق و بمسجد الرقة و في القاهرة.
و قال: أشهرها أنه رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه- إلى أن قال- و في الجملة ففي أي مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب و الضمائر قاطن في الأسرار و الخواطر أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى:
لا تطلبوا المولى الحسين‏ بأرض شرق أو بغرب‏
ودعوا الجميع Ùˆ عرجوا نحوي فمشهده بقلبي‏
Ùˆ في اللهوف: قال الراوي: Ùˆ لما رجع نساء الحسين (عليه السلام) Ùˆ عياله من الشام Ùˆ بلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه الله) Ùˆ جماعة من بني هاشم Ùˆ رجالا من‏ آل رسول اللّه (صلى اللّه عليه Ùˆ آله) قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا في وقت واحد Ùˆ تلاقوا بالبكاء Ùˆ الحزن Ùˆ اللطم Ùˆ أقاموا المآتم المقرحة للأكباد Ùˆ اجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أياما .
Ùˆ في مقتل الشيخ ابن نما ما يقرب منه‏ .
قال السيد: قال الراوي: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة. قال بشير ابن جذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين (عليه السلام) فحط رحله Ùˆ ضرب فسطاطه Ùˆ أنزل نساءه Ùˆ قال: يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شي‏Ø¡ منه؟ فقال: بلى يا بن رسول اللّه إني لشاعر. فقال (عليه السلام) أدخل المدينة Ùˆ انع أبا عبد اللّه. قال بشير: فركبت فرسي Ùˆ ركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي (صلى اللّه عليه Ùˆ آله) رفعت صوتي بالبكاء Ùˆ أنشأت أقول:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج‏ Ùˆ الرأس منه على القناة يدار
قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين (عليهما السلام) مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه. قال: فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن يدعون بالويل و الثبور فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر على المسلمين منه و سمعت جارية تنوح على الحسين (عليه السلام) فتقول:
نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعا
فعيني جودا بالدموع و اسكبا وجودا بدمع بعد دمعكما معا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا فأصبح هذا المجد و الدين أجدعا
على ابن نبي اللّه Ùˆ ابن وصيه‏ Ùˆ ان كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد اللّه (عليه السلام) و خدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك اللّه؟ فقلت: أنا بشير بن جذلم و جهني مولاي علي بن الحسين (عليه السلام) و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) و نسائه. قال: فتركوني مكاني و بادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين (عليه السلام) داخلا فخرج و معه خرقة يمسح بها دموعه و خلفه خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه و هو لا يتمالك من العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء و حنين النسوان و الجواري و الناس يعزونه من كل ناحية فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم.
فقال: الحمد للّه رب العالمين مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى و قرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور و فجائع الدهور و ألم الفجائع و مضاضة اللواذع و جليل الرزء و عظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة.
أيها القوم ان اللّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد اللّه الحسين (عليه السلام) و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل (عال) السنان و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله أم أية عين منكم تحبس دمعها و تضن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون و أهل السماوات أجمعون.
يا أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام و لم يصم.
أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين Ùˆ شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك Ùˆ كابل من غير جرم اجترمناه Ùˆ لا مكروه ارتكبناه Ùˆ لا ثلمة في الإسلام‏ ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا الا اختلاق. Ùˆ اللّه لو أن النبي (صلى اللّه عليه Ùˆ آله) تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا فإنا للّه Ùˆ إنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها Ùˆ أوجعها Ùˆ أفجعها Ùˆ أكظها Ùˆ أفظعها Ùˆ أمرها Ùˆ أفدحها فعند اللّه نحتسب فيما أصابنا Ùˆ ما بلغ بنا فإنه عزيز ذو انتقام.
قال الراوي: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان- Ùˆ كان زمنا- فاعتذر إليه صلوات اللّه عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبول معذرته Ùˆ حسن الظن فيه Ùˆ شكر له Ùˆ ترحم على أبيه‏ .
قال الجزري و ابن الصباغ المالكي: ان يزيد سير مع أهل بيت النبوة رجلا أمينا من أهل الشام و أوصاه بهم و معه خيل يسير بهم إلى المدينة .
Ùˆ في أخبار الدول: أنه [أرسل‏] النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه Ùˆ إذا نزلوا تنحى عنهم هو Ùˆ أصحابه فكانوا حولهم كهيئة الحرس Ùˆ كان يسألهم عن حاجتهم Ùˆ يلطف بهم حتى دخلوا المدينة فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب عليها السلام: لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشي‏ء؟ فقالت: Ùˆ اللّه ما معنا ما نصله به إلا حلينا فأخرجتا سوارين Ùˆ دملجين لهما فبعثتا به إليه Ùˆ اعتذرتا فرد الجميع Ùˆ قال: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني Ùˆ لكن Ùˆ اللّه ما فعلته إلا للّه Ùˆ لقرابتكم من رسول اللّه (صلى اللّه عليه Ùˆ آله)‏ .
Ùˆ كان مع الحسين (عليه السلام) امرأته الرباب بنت امرئ القيس Ùˆ هي أم ابنته سكينة Ùˆ حملت إلى الشام فيمن حمل من أهله ثم عادت إلى المدينة فخطبها الأشراف من قريش فقالت: ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه (صلى اللّه عليه‏ Ùˆ آله) Ùˆ بقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت Ùˆ ماتت كمدا .
Ùˆ قيل: إنها أقامت على قبره سنة Ùˆ عادت إلى المدينة فماتت أسفا عليه‏ .
و في بعض المقاتل: ان أم كلثوم حين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي و تقول:
مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جينا
ألا فاخبر رسول اللّه عنا بأنا قد فجعنا في أبينا
الأبيات و من جملتها:
مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جينا
خرجنا منك بالأهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنينا
Ùˆ كنا في الخروج بجمع شمل‏ رجعنا حاسرين مسلبينا
و كنا في أمان اللّه جهرا رجعنا بالقطيعة خائفينا
Ùˆ مولانا الحسين لنا أنيس‏ رجعنا Ùˆ الحسين به رهينا
فنحن الضائعات بلا كفيل‏ Ùˆ نحن النائحات على أخينا
ألا يا جدنا قتلوا حسينا و لم يرعوا جناب اللّه فينا
ألا يا جدنا بلغت عدانا مناها و اشتفى الاعداء فينا
لقد هتكوا النساء و حملوها على الأقتاب قهرا أجمعينا
و الأبيات أكثر من هذه لم نذكرها خوف الإطالة .
قال الراوي: أما زينب فإنها أخذت بعضادتي باب المسجد و نادت: يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة و لا تفتر من البكاء و النحيب و كلما نظرت إلى علي بن الحسين (عليه السلام) تجدد حزنها و زاد وجدها .
قال السيد (رحمه الله): و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه و يقول: كل يا مولاي. فيقول: قتل ابن رسول اللّه جائعا قتل ابن رسول اللّه عطشانا. فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق باللّه عز و جل.
Ùˆ حدث مولى له (عليه السلام) أنه برز يوما إلى الصحراء. قال: فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة Ùˆ أنا أسمع شهيقه Ùˆ بكاؤه Ùˆ أحصيت عليه ألف مرة «Ù„ا إله إلا اللّه حقا حقا لا إله إلا اللّه تعبدا ورقا لا إله إلا اللّه إيمانا Ùˆ صدقا». ثم رفع رأسه من السجود Ùˆ ان لحيته Ùˆ وجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه فقلت: يا سيدي Ø£ ما آن لحزنك أن ينقضي Ùˆ لبكائك أن يقل؟ فقال لي: ويحك ان يعقوب بن اسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام كان نبيا ابن نبي كان له اثني عشر ابنا فغيب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن Ùˆ احدودب ظهره من الغم Ùˆ ذهب بصره من البكاء Ùˆ ابنه حي في دار الدنيا Ùˆ أنا فقدت أبي Ùˆ أخي Ùˆ سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني Ùˆ يقل بكائي‏ .
Ùˆ روى الشيخ أبو جعفر الطوسي عطر اللّه مرقده بسنده عن خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له. فقال: لا بأس قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما السلام)Ø› Ùˆ لا يشق الوالد على ولده Ùˆ لا زوج على امرأته Ùˆ تشق المرأة على زوجها- إلى أن قال عليه السلام: Ùˆ لقد شققت الجيوب Ùˆ لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) Ùˆ على مثله تلطم الخدود Ùˆ تشق الجيوب‏ .
Ùˆ عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: أنه نيح على‏ الحسين بن علي (عليهما السلام) سنة كل يوم Ùˆ ليلة Ùˆ ثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه‏ .
Ùˆ روى البرقي (رحمه الله): أنه لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد Ùˆ المسوح Ùˆ كن لا يشتكين من حر Ùˆ لا برد Ùˆ كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعمل لهن الطعام للمآتم‏ .
و روى ثقة الاسلام الكليني برد اللّه مضجعه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) أقامت امرأته الكلبية عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتى جفت دموعهن و ذهبت فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل فدعتها فقالت لها: ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك؟ قالت: إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق. قال: فأمرت بالطعام و الأسوقة فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت: أنما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على الحسين. قال: و أهدي إلى الكلبية جونا لتستعين بها على مأتم الحسين فلما رأت الجون قالت: ما هذه؟ قالوا: هدية أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين عليه السلام. فقالت: لسنا في عرس فما نصنع بها. ثم أمرت بهن فأخرجن من الدار فلما أخرجن من الدار لم يحس لها حس كأنما طرن بين السماء و الأرض و لم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر .
Ùˆ روى عن الصادق (عليه السلام) قال: ما اكتحلت هاشمية Ùˆ لا اختضبت Ùˆ لا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه تعالى‏ .
Ùˆ نقل عن تاريخ الذهبي أنه قال: Ùˆ في سنة 253 في يوم عاشوراء الزم معز الدولة أهل بغداد بالمأتم Ùˆ النوح على الحسين بن علي (عليهما السلام) Ùˆ أمر بأن‏ تغلق الأسواق Ùˆ أن يعلق عليها المسوح Ùˆ أن لا يطبخ طباخ Ùˆ خرجت نساء الشيعة مسخمات الوجوه يلطمن Ùˆ ينحن ثم فعل ذلك سنوات‏ .
و عن تاريخ ابن الوردي قال: و في سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة أمر معز الدولة بالنياحة و اللطم و نشر شعور النساء و تسويد وجوههن على الحسين عليه السلام و عجزت السنة عن منع ذلك لكون السلطان مع الشيعة .
و عن كتاب الخطط و الآثار للمقريزي قال: قال ابن ذولاق في كتاب سيرة المعز لدين اللّه: في يوم عاشوراء من سنة ثلاث و ستين و ثلاثمائة انصرف خلق من الشيعة و أشياعهم إلى المشهدين قبر أم كلثوم و نفيسة و معهم جماعة من الفرسان المغاربة و رجالتهم بالنياحة و البكاء على الحسين (عليه السلام) .
و في بعض الكتب: و في سنة 422 أقيم ببغداد مأتم الحسين (عليه السلام) بالعويل فثارت السنة و وقع القتال حتى قتل جماعة و خربت الأسواق.
Ùˆ عن أبي ريحان في الآثار الباقية: Ùˆ كانوا يعظمون هذا اليوم (أي يوم عاشوراء) إلى أن اتفق فيه قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) Ùˆ فعل به Ùˆ بهم ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالعطش Ùˆ السيف Ùˆ الاحراق Ùˆ صلب الرءوس Ùˆ اجراء الخيول على الأجساد فتشاءموا به فأما بنو أمية فقد لبسوا فيه ما تجدد Ùˆ تزينوا Ùˆ اكتحلوا Ùˆ عيدوا Ùˆ أقاموا الولائم Ùˆ الضيافات Ùˆ طعموا الحلاوات Ùˆ الطيبات Ùˆ جرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم Ùˆ بقي فيهم بعد زواله عنهم Ùˆ أما الشيعة فإنهم ينوحون Ùˆ يبكون أسفا لقتل سيد الشهداء فيه Ùˆ يظهرون ذلك بمدينة السلام Ùˆ أمثالها من المدن Ùˆ البلاد Ùˆ يزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء Ùˆ لذلك كره فيه العامة تجديد الأواني Ùˆ الأثاث‏.