شبهات و ردود

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ØŒ إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي (صلى الله عليه واله) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة ØŒ فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه ) أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: " النياحة من عمل الجاهلية …".
إن إشكال القوم على الشيعة فيما يخص مراسيم إحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام محصورة في النقاط التالية:
أ- منع البكاء على الميت مطلقاً
واستدلوا على ذلك " بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " ، وقد رواه ابن عمر . ويرد عليه :
أولا: لا شك ببطلان مثل هذا الادعاء خاصة مع وضوح بكاء النبي يعقوب على ابنه يوسف عليهما السلام ، في قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84].
ثانيا: إن عائشة لم تقبل بذلك وقد صرحت بأن ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة وأن قوله هذا مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ومسلم في كتاب الجنائز.
ب - الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وإعادة ذكر مصيبته في كل سنة .
أولا: يرد هذا الأمر بأن يعقوب (عليه السلام) قد أشكل عليه أبناؤه كما ينقل عنهم القرآن الكريم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) ، فقوله تفتأ دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخرا أن تقتدي بأنبياء الله (عليه السلام) حينما يبكون على أوليائه .
ومكانة الحسين لا ينكرها إلا معاند ، فشأنه عند الله تعالى يتجلى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون وعبرت عن الغضب الإلهي على قتلته (عليه السلام) ، وكذلك في الحديث الذي مر ذكره من أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيه (صلى الله عليه واله) بأنه عز وجل إذا كان قد انتقم لدم يحيى (عليه السلام) بقتل سبعين ألف فسوف ينتقم لدم الحسين (عليه السلام) بسبعين ألف وسبعين ألف .
ثانيا: وقد أجاب الإمام زين العابدين (عليه السلام) بما دل من القرآن على استمرار حزن يعقوب عند رده على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين (عليه السلام) في ( حلية الأولياء ) ج3 ص 162عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدين (عليه السلام)- فقال : "لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهـل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يـذهب مـن قلبي ؟ " .
وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم .
ج - النياحة : وقد أورد نصا من كتب الشيعة يصف النياحة بأنها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه:
أولا: أن هذه الرواية موجودة في مصادر السنة قبل الشيعة ومع ذلك فإن من علماء السنة من أجاز النياحة ولم يعتبر هذا النص مانعا من جوازها ØŒ وقد أقر ابن حجر بهذا الخلاف في كتابه ( فتح الباري ) ج3 ص 161 عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه ( باب ما يكره من النياحة على الميت ) : " قال الزين بن المنير : ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء وهو النياحة ØŒ والمراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى ØŒ ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضة والتقدير كراهية بعض النياحة أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن النياحة لا تحرم وفيه نظر ØŒ وكأنه أخذه من كونه (صلى الله عليه واله) لمن ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب وفيه نظر … "
وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه ( عدة الصابرين ) ج1 ص83 في الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب … قائلا : "وأما الندب Ùˆ النياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعي وغيرهم النوح حرام وقال ابن عبدالبر أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.
وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيها وهذا لفظ أبي الخطاب في ( الهداية ) قال : ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي ØŒ والصواب القول بالتحريم…
وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل ( وهما من الصحابة ) أنهما كانا يسمعها النوح ويسكتان .
قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية لما نزلت هذه الآية " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " … ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها قالت : فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها .
قالوا وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدل على أن النهي عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة " . انتهي المنقول من كلام ابن القيم .
والقصد من إيراده أن بعض علماء السنة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم كرواية " النياحة من عمل الجاهلية " فما هو جوابكم عن هذا ، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادرة" .
والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول في منهاج السنة ج4 ص 559 : "وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنها هاشمية ولا سبي عيال الحسين (عليه السلام) بل لما دخلوا إلى بيت يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة " .
فلاحظ أن ابن تيمية يمدح يزيدا على إقامته النياحة على الحسين (عليه السلام) .. وهو قاتله !!
ثانيا: أن علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية ، وكما كان لعلماء السنة آراء واجتهادات لفهم النص ، كذلك كانت لعلمائنا رضوان الله تعالى عليهم . فينبغي للعاقل أن يطلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النص الشريف .
ويكفي للقاريء ملاحظة ما ورد في كتاب ( العروة الوثقى ) وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من علماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان، حيث تجد في الجزء الأول ص 447 من كتاب الطهارة تحت عنوان مكروهات الدفن حديثا مفصلا حول تلك الأمور فيقول السيد اليزدي ( ره) مسألة 1 : يجوز البكاء على الميت ولو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.
مسألة 2 : يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا على الويل والثبور ، لكن يكره في الليل ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أولا .
مسألة 3 : لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط وكذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب والأخ والأحوط تركه فيهما أيضا .
هذا علما بأن هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) وأما مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصة عن أهل بيت العصمة (عليه السلام) تجعله مصابا مميزا عن غيره لا تشمله هاتك الأحكام .
ثالثا: وفيما يخص روايات أهل البيت عليهم السلام ، فقد روى الطوسي في أماليه كما عن البحار ج44 ص 280 عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : "كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام)" .
والسند تام فكل الرواة ثقات عدا أبو محمد الأنصاري وقد قال عنه السيد الخوئي ( ره ) في ( المعجم ) ج22 ص 36 : " أبو محمد الأنصاري هذا يعتد بقوله لقول محمد بن عبدالجبار في رواية الكافي المتقدمة أنه خير … وأما قول نصر بن الصباح من أنه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به لأن نصر بن الصباح ضعيف" .
ورواه ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) مثل الرواية السابقة عن أبي عن سعد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) سمعته يقول : " إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور ".
فهذه الرواية صريحة في أن المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) .
هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلامة في المنتهى فقد نقل عنه العلامة المجلسي في البحار ج82 ص 104 : " قال العلامة قدس الله روحه في المنتهى : البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج … والنياحة
بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا ويحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشق الثوب إلا في موت الأب والأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور" .
وقال الشهيد نور الله ضريحه في ( الذكرى ) : " يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله … واستثنى الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب على موت الأب والأخ لفعل العسكري على الهادي (عليه السلام) وفعل الفاطميات على الحسين (عليه السلام) …
وسئل الصادق (عليه السلام) عن أجر النائحة فقال : لا بأس قد نيح على رسول الله (صلى الله عليه واله) وفي آخر لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا … وروى أبو حمزة عن الباقر (عليه السلام) مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي (صلى الله عليه واله) أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها وكان ابن عمها - ثم رثته بأبيات - وفي تمام الحديث فما عاب عليها النبي (صلى الله عليه واله) ذلك ولا قال شيئا" .
ثم قال قدس سره : " يجوز الوقف على النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام) قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها … "
وقد حرم الشيخ في المبسوط - وكذلك ابن حمزة - النوح وادعى الشيخ الإجماع ، والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في ( النهاية ) وفي ( التهذيب ) جعل كسبهما مكروها بعد روايته أحاديث النوح .
ثم أول الشهيد ( ره ) أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملا على الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا ، ثم قال : "المراثي المنظومة جائزة عندنا وقد سمع الأئمة (عليه السلام) المراثي ولم ينكروها ". انتهى ما نقله العلامة المجلسي .
- البكاء على الميت مستحب عند أهل السنة !
هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدل على أن البكاء على الميت سنة سنها رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده ج2 ص 599 رقم 1174 قال :
"أخبرنا النضر بن شميل نا محمد بن عمرو حدثني محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت : مر رسول الله (صلى الله عليه واله) حين انصرف على بني الأشهل فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم وكان استمر القتل فيهم يومئذ فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : لكن حمزة لا بواكي له قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة فجعلت عائشة تبكي معهن فنام رسول الله (صلى الله عليه واله) فاستيقظ عند المغرب فصلى المغرب ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله لعشاء الآخرة فصلى العشاء ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله (صلى الله عليه واله) ونحن نبكي فقال : ألا أراهن يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ثم دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن" .
والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكل إلا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي قال ابن حجر في التقريب ج2 ص 119 : " صدوق له الأوهام " .
ورواه أحمد في مسنده ج9 ص 38 مسند ابن عمر رقم 4984 قال :
حدثنا زيد بن الحباب حدثني أسامة بن زيد حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : " ولكن حمزة لا بواكي له " قال : ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال : فهن اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة وقد بين الحاكم في مستدركه ج1 ص 381 الأمر الأخير بقوله : " وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا " .
ولعلك تلاحظ في هذه الرواية أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب ، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة .
وقد ورد في المروي عن طريق أسامة بن زيد الليثي زيادة تدل بظاهرها على نسخ الجواز وهي زيادة : " مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " مسند أحمد ج9 ص 398 .
قال الكناني في ( مصباح الزجاجة ) ج2 ص47 : "هذا إسناد ضعيف لضعف أسامة بن زيد " ، وقال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج4 ص 253 : " ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلا أسامة بن زيد الليثي ففيه مقال " .
ولكن حتى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنه رفض كونها ناسخة كما صرح بذلك ابن القيم في كتابه ( عدة الصابرين ) ج1 ص 82 قال : " وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى
أحد ، ويدل على ذلك أن نصوص الإباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبي هريرة إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء
على سعد بن معاذ وكان موته في الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في السنة الثامنة "
- البكاء على الحسين سنة سنها رسول الله (صلى الله عليه واله) :
فقد كان (صلى الله عليه واله) أول من أخبر بواقعة شهادة الحسين (عليه السلام) وأول الباكين عليه عند ولادته (عليه السلام) : روى ابن حبان في صحيحه ج6 ص 203 عن أنس بن مالك قال : " استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي (صلى الله عليه واله) فأذن له فكان في يوم
أم سلمة فقال النبي (صلى الله عليه واله) : احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبي (صلى الله عليه واله) وجعل النبي يتلثمه ويقبله فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم
قال : أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ؟ قال : نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها".
وأما بكاء (صلى الله عليه واله) عليه فقد روى أحمد في مسنده ج2 ص78 عن نجي أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات قلت: وماذا ؟ قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه واله) ذات يوم وعيناه تفيضان ؟
قال : " بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات " قال : فقال : " هل لك إلى أن أشمك من تربته ؟ " قال : قلت: نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .
قال الهيثمي في ( مجمع الزائد ) ج9 ص 187 معلقا على الرواية : "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا" .
وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج3 ص 108 عن أم سلمة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين (رض) فسمعت نشيج رسول الله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (صلى الله عليه واله) يمسح جبينه وهو يبكي فقلت : والله ما علمت حين دخل فقال : إن جبريل (عليه السلام) كان معنا في البيت قال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأرها النبي (صلى الله عليه واله) ، فلما بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء قال : صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء .
قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ج9 ص 189 معلقا على سند الرواية: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات" .
وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3 ص176 ( 194 ) عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه واله) فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال : ما هو قالت إنه شديد قال: ما هو قالت : رأيت كأن قطعة
من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة (عليه السلام) الحسن (عليه السلام) فكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه واله) فدخلت يوما إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع
قالت : فقلت يا نبي الله بأبي وأمي مالك ؟
قال : أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت : هذا فقال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء .
هذه روايات صريحة في أن البكاء على الحسين هي سنة رسول الله (صلى الله عليه واله) والشيعة يتبعون سنته (صلى الله عليه واله) في البكاء على سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) .
أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً !
قال : "مما ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ما رواه الطوسي في الاستبصار … وما لا أكاد أفهمهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء " .
لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرم صدى كما نسمعه اليوم ، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم ، فهل يريدون بذلك أن يغطوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم ، دفاعا عن بني أمية .
أما عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة تبعا لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء .
إذ يبدو أن القدماء منهم ( قده ) قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر إن كان على وجه الحزن ، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطرات إلى العصر لا على المعنى الشرعي للصـوم، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي ، إذ يقول : " لأن صومه متروك كما وردت به الرواية " ، وحكم المحقق البحراني من المتأخرين بالحرمة ، ويفهم من السيد الطباطبائي في ( الرياض ) الاستحباب العام لا بالعنوان الخاص المؤكد عليه بالشريعة، ويؤيد صاحب ( الجواهر ) رأي القدماء ، نعم ظاهر السيد الخوئي رحمه الله في كتابه ( المستند ) ترجيح الاستحباب الخاص .
فالقول بأن علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالة على فضل صيام عاشوراء يكشف عن جهل الكاتب الشديد ، بل هو توغل في الجهالة.
إذا ، فصوم عاشوراء إما أن يكون بالعنوان العام أو بالعنوان الخاص وكلاهما له مؤيد ومعارض ، نعم هم يتفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرك واعتباره يوم فرح كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنة وظاهر صيام بعضهم ، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.
ولعل القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرح به ابن تيمية في ج25 ص 166 من ( مجموعة الفتاوى ) : "فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال … فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال Ùˆ الاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح".
وقال في ( منهاج السنة ) ج8 ص 151 : "وكذلك حديث عاشوراء والذي صح في فضله هو صومه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر وبينا أن كل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم".
وقد أقر ابن كثير في تاريخه بأن يوم عاشوراء يتخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام فقال في ج8 ص 220 : "وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح".
وقال العيني في ( عمدة القارئ ) ج 5 ص 347 : "اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب ، نعم اختلق أعداء أهل البيت (عليه السلام) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال".
قال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ج2 ص 112 : " قد تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين ، وقد صح أن رسول الله (صلى الله عليه واله) أمر بصوم عاشوراء إذ قال : إنه كفارة سنة ، فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وترقوا في الكذب " .

إذا فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح والزينة يوم عاشوراء .. وما زالت تجد بقاياه الى يومنا هذا !!
فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عده ابن الجوزي في الموضوعات ج2 ص 115 عن عبدالله عن رسول الله (صلى الله عليه واله) : " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " .
وكذلك روى ابن الجوزي في كتابه الموضوعات عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا".
فنكرر ونقول إن اعتراض الشيعة على هذه الأمور لا على مجرد الصيام، ويبدو من النصوص أن من ناقش مستحبات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام ، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم ، مما جعل الصيام شعارا للفرحين مع الأيام إضافة للاكتحال والزينة ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها ، لذا ينبغي للصائم في هذا اليوم أن يكون صومه حزناً ، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه .
محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسين (عليه السلام)!
قال لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق .
نقــول إليك النصوص التالية:
Ø£‌ - نقل الطبري في تاريخه أحداث سنة 60 هـ ج 4 ص 250 رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة " أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام" ØŒ وروى ذلك ابن كثير في تاريخه ج8ص157 .
ب‌ - وذكر في عهد يزيد إلى عبيد الله الأمر بقتل مسلم بن عقيل: "ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام " ØŒ روى ذلك ابن الجوزي في تاريخه ( المنتظم ) ج4ص142 ØŒ وابن كثير في تاريخه ج8 ص164 .
ت‌ - ثم روى الطبري ج4 ص 296 : " عن جعفر بن سليمان الضبعي قال : قال الحسين : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة".
Ø«‌- ثم قوله لزينب بنت علي (عليه السلام) كما في الطبري ج4 ص 353 مؤكدا لنظرته في استحقاق الإمام (عليه السلام) للقتل لأنه خارجي خرج من الدين: "إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخى وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك " .
ج ‌- وقال في ص 354 : " وجاء كتاب بأن سرح الأسارى إلي قال فدعا عبيد الله بن زياد محفز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية قال : فخرجوا حتى قدموا على يزيد فقام محفز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم فقال يزيد ما ولدت أم محفز ألأم وأحمق ولكنه قاطع ظالم قال فلما نظر يزيد إلى رأس الحسين قال : يفلقن هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما
Ø­ ‌- ولينظر القارئ رأي الذهبي في يزيد في ( سير أعلام النبلاء ) ج4ص37: قلت : "وكان ناصبيا فظا غليظا جلفا يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الحسين الشهيد واختتمها بواقعة الحرة فمقته الناس " .
Ø® ‌- وقال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) ص207: "فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضا". فما هو وجه اللعن من السيوطي ليزيد إذا لم يكن له يد في قتله (عليه السلام) ØŸ
د ‌- وقد قال ابن كثير في تاريخه ج8 ص243 : " وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام وهذا خطأ كبير فاحش مع ما أنضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيدالله بن زياد وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما يحد ولا يوصف".
ذ‌ - وقال الذهبي في تاريخ الإسلام الجزء الخاص لأحداث السنوات ( 61 - 80 ) ص 30 : " قلت ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل وقتل الحسين وأخوته وآله وشرب يزيد الخمر وارتكب أشياء منكرة بغضه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره "
وسؤالنا هو : أليست هذه أقوال علماء السنة أم لا يوجد عالم سني إلا ابن تيمية ؟!
ندم يزيد المزعوم
قال: "ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره"نعم ، قد بالغ يزيد في الندم حتى صار - لعنه الله - بعد هذا البكاء المزعوم ينكت الرأس الشريف بقضيب بيده ، ثم يترنم بأشعار جاهلية كما سيأتي نقلا عن تاريخ ابن كثير ، ثم ادعى أمام الجميع وبمواجهة العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن بإمكانه أن يهدي ابنة الحسين (عليه السلام) جارية إلى أحد الحضور.
فإن كان ندم فهو لما قاله السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) قال في ص 208 : " ولما قتل الحسين وبنو أبيه بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه " .
فأنت ترى أيها القارئ أن ندمه سياسي للعواقب السيئة التي ترتبت على جريمته لا لأنه يرى قتل الحسين (عليه السلام) جريمة في نفسها .

ادعاؤه بأن يزيد لم يسب لهم حريما بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم.
وتتجلى مظاهر التكريم من يزيد لأهل بيت الحسين (عليه السلام) الذي يدعيه الكاتب فيما نقله ابن كثير في تاريخه ج8 ص 211 : " فلما دخلت الرؤوس والنساء على يزيد دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلن عليه والناس ينظرون ØŒ فقال لعلي بن الحسين يا علي أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت ØŒ فقال علي : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب فقال يزيد لابنه خالد : أجبه ØŒ قال : فما درى خالد ما يرد عليه ØŒ فقال له يزيد : قل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير … " .
وذكر في نفس الصفحة عن فاطمة بنت علي قالت : " أن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه يعنيني وكنت جارية وضيئة فارتعدت فزعة من قوله وظننت أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب أختي زينب وكانت أكبر منى وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يجوز فقالت لذلك الرجل : كذبت والله ولؤمت وما ذلك لك وله ، فغضب يزيد فقال لها : كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلت قالت : كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا قالت فغضب يزيد واستطار ثم قال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك قال كذبت يا عدوة الله قالت : أنت أمير المؤمنين مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك قالت : فو الله لكأنه استحى فسكت ، ثم قام ذلك الرجل فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقال له يزيد : أعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ".
وذكر في ص 215 : " فأوفده إلى يزيد بن معاوية فوضع رأسه بين يديه وعنده أبوبرزة الأسلمي، فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه ويقول : يفلقن هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال له أبو برزة : ارفع قضيبك فو الله لربما رأيت رسول الله (صلى الله عليه واله) واضعا فيه على فيه يلثمه". ونحن نظن بأن كاتب المنشور لو كان متواجدا في ذاك المجلس لقال لأبي برزة : دع عنك هذا ، فإن يزيدا يكرمه بهذا .
مستند غريب لتبرئة يزيد
قال : أن بني هاشم وبني أمية أبناء عمومة وذلك إن هاشم بن عبد مناف والد بني هاشم وبني عبد شمس بن عبد مناف والد بني أمية إخوان فالحسين ويزيد أبناء عمومة .
إن أول ما يتبادر إلى ذهن العاقل هو التساؤل : ماذا يريد الكاتب من هذا الكلام ؟
أيقول بأن أبناء العمومة يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم ولاحق لكم بالتدخل ؟ أم أنه يقول بأن أبناء العمومة لا يقتلون بعضهم ؟
وعلى كلا الفرضين فإن هذا الكلام نابع وبوضوح من نفس تؤمن بالعصبية والقبلية أيما إيمان .
وبغض النظر عن ذلك ، فإننا قد رأينا في تاريخ حكام المسلمين أن الأخ لا يمانع في قتل أخاه في سبيل الملك فكيف بقرابة العمومة ؟!
وهل يريد أن يقول أيضاً أن المعلومات الواردة عن المعارك بين رسول الله (صلى الله عليه واله) وعتاة بني أمية كأبي سفيان غير صحيحة لأن رسول الله (صلى الله عليه واله) وأبا سفيان أبناء عمومة؟!
نعم هناك قرابة ولكنها قرابة سوء كان يبغضها رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد روى الحاكم في ( المستدرك ) ج4ص528 ( 8482 ) : عن أبي برزة الأسلمي قال كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
ورواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج18 ص229 بإضافة قول عمران بن حصين : " اكتم علي حتى أموت ".
وربما كانت هذه العداوة لاصطفاء الله تعالى بني هاشم دونهم كما يذكر ذلك مسلم في صحيحه ج4 ص 1782 عن واثلة عن رسول الله (صلى الله عليه واله): " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم " ، فكم حسدت الناس بني هاشم ؟
مكان دفن رأس الحسين (عليه السلام)
قال : لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.
هذا رأي الكاتب الذي ينتقى من كتب التاريخ ويختار منها ما يوافق هواه ، أما ابن كثير فيختلف رأيه عن رأي الكاتب إذ يقول في تاريخه ج8ص209 : " وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين هل سيره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا على قولين الأظهر منهما أنه سيره إليه وقد ورد في ذلك آثار كثيرة فالله أعلم ".
وقال في ص222 :" وأما رأس الحسين ( رض ) فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ومن الناس من أنكر ذلك وعندي أن الأول أشهر فالله أعلم".
ثم نقل أخبارا منها ما رواه عن القاسم بن بخيت قال : لما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره ثم قال : إن هذا وإيانا كما قال الحصين ابن الحمام المري:
يفلقن هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما وذكر في ج8 ص 208 من تاريخه : " ثم أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة وطيف به في أزقتها ثم سيره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام وكان مع زحر جماعة من الفرسان منهم أبو بردة بن عوف الأزدى وطارق بن أبى ظبيان الأزدى فخرجوا حتى قدموا بالرؤوس كلها على يزيد بن معاوية بالشام ".
ونقل في تاريخه ج8 ص 209 : " عن مجاهد قال : لما جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد تمثل بهذه الأبيات :
ليت أشياخي ببدر شهـدوا جزع الخزرج في وقع الأسل
فأهـلوا واستهـلوا فرحـا ثم قالوا لي هنيـا لا تسـل
حين حكت بفنـاء بركـها واستحر القتل فى عبد الأسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم وعدلنـا ميل بدر فاعتـدل
وقد صرح السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) ص 208 بإرسال الرأس إلى يزيد ، فقال : " ولما قتل الحسين وبنو أبيه بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد".
تشكيك الكاتب في مكان قبر الحسين (عليه السلام)
قال : " ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه عليه السلام".
ولعل آخر ما في كنانة هذا الكاتب جهالته وزعمه أن قبر الإمام الحسين (عليه السلام) مجهول !! فانظر إلى ما يقوله ابن كثير في ( البداية والنهاية ) ج8 ص 221 : " وأما قبر الحسين ( رض ) فقد اشتهر عند كثير من المتأخرين أنه في مشهد على بمكان من الطف عند نهر كربلاء فيقال إن ذلك المشهد مبنى على قبره… وذكر هشام بن الكلبى أن الماء لما أجرى على قبر الحسين ليمحى أثره نضب الماء بعد أربعين يوما فجاء أعرابى من بنى أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال : بأبي أنت وأمي ما كان أطيبك تربتك ثم أنشأ يقول: أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب القبر دل على القبر ومما يدل على بقاء محله معروفا ما ينقله ابن كثير في ج10ص315 : "ثم دخلت سنة ست وثلاثون ومائتين وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب وما حوله من المنازل والدور ".
نقل ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ج12ص35 معلقا : " وكان المتوكل فيه نصب وانحراف".
وذكر ذلك الطبري في تاريخه والسيوطي في تاريخ الخلفاء ج2ص347 ، ثم قال في ص356: "ذكر أن الخليفة المنتصر بالله الذي كان راغبا في الخير قليل الظلم محسنا إلى العلويين وصولا لهم أزال عن آل أبى طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ورد على آل الحسين فدك ".
بل كان القبر معروفا إلى عام 553 هـ قال ابن الجوزي في ( المنتظم ) ج10ص181 :"ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة … وفي ربيع الآخر خرج أمير المؤمنين بقصد الأنبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام ".
وقال ابن كثير في تاريخه ج8 ص 222 : " وأما رأس الحسين فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ثم اختلفوا بعد ذلك في المكان الذي دفن فيه الرأس فروى محمد بن سعد : أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعبد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع ، وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبدالرحمن عن محمد بن عمر بن صالح - وهما ضعيفان - أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي فأخذ من خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق قلت : ويعرف مكانه بمسد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني ، وذكر ابن عساكر في تاريخه في ترجمته ريا حاضنة يزيد بن معاوية أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعرى يعني قوله :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قال : ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام ثم وضع في خزائن السلاح حتى كان زمن سليمان بن عبدالملك جيء به إليه وقد بقي عظما أبيض فكفنه وطيبه وصلى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين فما جاءت المسودة - يعنى بنى العباس - نبشوه وأخذوه معهم .