شبهات و ردود

قد تمسَّك من اتَّهم الفرقة المحقَّة من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بقول الإمام الحسين (عليه السلام) قاصداً مَن بايعه من أهل الكوفة : شيعتي أو شيعتنا ونحو ذلك . وهذا التمسُّك أوهن من التمسك بخيوط العنكبوت لو كانوا يعلمون .
قول الإمام الحسين (عليه السلام) : (( هذه كتب شيعتي )) . أو (( كتبت إلينا شيعتنا )) . أو (( خذلتنا شيعتنا بالعراق )) .
أنّ للفظ الشيعة معنيين عامّاً وخاصّاً ـ يتّضح أنّ قول الإمام الحسين (عليه السلام) على تقدير ثبوته : (( هذه كتب شيعتي )) . (( أو كتبت إلينا شيعتنا )) . أو (( خذلتنا شيعتنا بالعراق )) . ونحوها من التعابير ـ محمول على المعنى العامّ وهم الأتباع والأنصار وهم كثير ، بل هم أغلب مَن بايع في ذاك الزمان أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ومن بعده الإمام الحسن (عليه السلام) ، وبعده الإمام الحسين (عليه السلام)(1) .
فلا يتصوَّر ذو مسكة وبصيرة أنّ شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) قاتلت الإمام الحسين (عليه السلام) ، كما لا يتصوَّر أنّ المنافقين المندسِّين في المسلمين مسلمون ، وأنّ المرتدّين الذين قاتلوا المسلمين مسلمون(2) .
وهذا التاريخ خير شاهد على أنّه لا يُوجد في قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ولا فرد واحد من الشيعة المعتقدين بإمامته (عليه السلام) بالنَّص ، وإلاّ لتهافتت على تحبيره الأقلام ، وعلى نقله الأفواه .
ولو سلَّمنا جدلاً وتنزُّلاً بأنَّ مَن خرج على الإمام الحسين (عليه السلام) هم من الشيعة بالمعنى الثاني ، فما يمنع أنّهم كانوا ممّن يوصف ويعرف بالتشيُّع ، ثمّ انقلبوا كما انقلب الزبير بن العوام(3) حتّى خرج على أمير المؤمنين (عليه السلام) . وكما انقلب زياد ابن أبيه (4) على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعاداه واعادى أبناءه (عليهم السلام) وشيعته ، وهل بعد انقلابهم ومعاداتهم وجحدهم إيَّاه (عليه السلام) ، يُقال لهم : شيعة عليّ (عليه السلام) ؟!
فكلّ مَن خرج لقتال أهل البيت (عليهم السلام) ، فهو من أعدائهم لا من شيعتهم ، حتّى لو لمْ يصنع شيئاً غير تكثير سواد الأعداء (5) .
وإليك موقفاً من المواقف العقلائيّة يُبيِّن هذه الحقيقة . فقد روى الطبري بعد كلام دار بين زهير بن القين (رضوان الله عليه) وبين عزرة بن قيس ، قال : فقال له عزرة بن قيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت . فقال له زهير : يا عزرة ، إنّ الله قد زكَّاها وهداها ، فاتّق الله يا عزرة ، فإنّي لك من الناصحين .
أنشدك الله ـ يا عزرة ـ أنْ تكون ممّن يُعين الضلال على قتل النفوس الزكيّة . قال : يا زهير, ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً .
قال : أفلست تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم ؟ أمَا والله ، ما كتبت إليه كتاباً قط (6).
ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلمَّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوِّه وحزبكم ، فرأيت أنْ أنصره وأنْ أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لمَا ضيَّعتم من حقِّ الله وحقِّ رسوله (صلّى الله عليه وآله)(7) .
وأمَّا الذين كتبوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ووعدوه النصر ـ من غير الشيعة المعتقدين بإمامته (عليه السلام) بالنَّصّ ـ ثمّ لمْ يخرجوا لنصرته مع تمكُّنهم ، كما يُشير لهذا ما صرَّح به المؤرِّخون من أنّ التوّابين الذين خرجوا بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) هم من الشيعة ومن غيرهم ، كما تقدَّم تحت عنوان : حقائق تاريخيّة ، تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، فهؤلاء كبقيّة من بايع أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) على أنّه الخليفة الرابع بعد عثمان بن عفّان لا أنّه الخليفة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالنَّص ، فخذلة الإمام الحسين (عليه السلام) بمنزلة بعض الخوارج ـ في انحرافهم ثمّ توبتهم ـ الذين بايعوا الإمام عليّ (عليه السلام) وقاتلوا معه القاسطين والناكثين ، ثمّ خرجوا عليه فكانوا من المارقين ، ثمّ تابوا كما يُقال ، ثمّ عدوا على ابنه الإمام الحسين (عليه السلام) فقتلوه ، ومن هؤلاء شبث بن ربعي ، كما يأتي ذكر ذلك في ترجمته على ما هو في مصادر القوم ، فهؤلاء ـ عدا من خرج عليه بعدُ ـ شيعته (عليه السلام) بالمعنى العامّ ، وهم قطعاً غير الشيعة المعتقدة بإمامته بالنَّصّ .
وأمَّا الشيعة المعتقدة بإمامته بالنصّ ، فهم مع قلّتهم في الكوفة قد ضيِّق عليهم ـ كما تقدَّم عليك ـ لكي لا يصلوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء ؛ فزُجَّ في السجون مَنْ زُجَّ كسليمان بن ُصرد الخزاعي والمختار وغيرهما من الشيعة ، وقُتل مَن قُتل ، وأُبعد مَن أُبعد ، وجُعلت المناظر والمسالح لكي لا يصل أحد منهم إليه (عليه السلام)(8).
وأمَّا مسألة التوبة التي خرجوا بعنوانها على قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ، فهي لانضمام غيرهم ممّن خذل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهم الكثرة الكاثرة من التوابين ، فإنّه إذا كان سليمان بن ُصرد الخزاعي والمختار وغيرهما في السجون . وكان بعض قد أُبعدوا وبعض آخر مُنعوا من أنْ يصلوا إلى إمامهم الحسين (عليه السلام) حتّى أقيمت المراصد والمسالح ، فلماذا يتوب هؤلاء غير المتمكّنين من نصرته (عليه السلام) ؟! إلاّ أنْ تحمل التوبة على الجانب القصوري لا التقصيري كما هو متعارف ، إذ المتعارف بين الناس ، إذا طُلب منهم شيء وهم لا يستطيعون فعله ، أنْ يقدِّموا الاعتذار مع أنّهم غير متمكِّنين ، وهي لا تدلُّ على الخذلان كما هو ظاهر .
المتطرِّفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الحسين (عليه السلام)
قتلة سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) لا يختلفون عن غيرهم من أهل الخلاف القائلين بإمامة آل أبي سفيان ، فأهل الخلاف المتطرِّفون شيعة وأنصار لهم ، وقتلة الحسين (عليه السلام) شيعة وأنصار لهم ، فما الفرق ؟! ولهذا لا تجد من هذه الفرقة مَن يخطّئ يزيد بن معاوية فضلاً عن أبيه ، فيسدِّدون أعمالهم ويعتذرون لهم ، وما ذلك إلاّ لاعتقادهم بإمامتهم .
وأمَّا الشيعة الإماميّة ، فلا يختلف اثنان في أنّهم أعداء آل أبي سفيان ، وأعداء أنصارهم إلى يوم القيامة وأنّهم أنصار أهل البيت (عليهم السلام) حقّاً ، فلينظر المسلم من إمامه يوم القيامة ، أهُم أهل البيت (عليهم السلام) أمْ أعداؤهم ؟
وقد قال الله تعالى : {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } [الإسراء : 71] .
وقد تتبَّعنا قتلة الحسين (عليه السلام) فما وقع نظرنا على أحد منهم إلاّ وجدناه من أنصار بني اُميّة (9) . ونظرنا إلى موقف أهل الخلاف منه فلمْ نجدهم إلاّ وقد وثَّقوه وأثنوا عليه واتّبعوه وقبلوا روايته . وعطفنا النظر إلى موقف الشيعة الاثني عشريّة من هؤلاء الأرذال ، فلمْ نجدهم إلاّ وقد نبذوهم وتركوهم ولعنوهم ، ورأوا البراءة منهم واجبة ، ومودَّتهم محرَّمة ومخرجة من المذهب و. . . و. . .
وللشيعة شهد الذهبي ، قال في كلامه عن ابن زياد :
قلت : الشيعي لا يطيب عيشه حتّى يلعن هذا ودونه ، ونحن نبغضهم في الله(10) ، ونبرأ منهم ولا نلعنهم ، وأمرهم إلى الله(11).
وما أدري كيف يتبرّأ منهم ، وجميع مَن خرج على الإمام الحسين (عليه السلام) مطيعون ـ في نظر هؤلاء ـ لله في ما فعلوه من ذبح وقتل ، وسلب وهتك أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) ، نصرة ليزيد بن معاوية . فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ما يدلّ على طاعة هؤلاء الأرجاس ، واللفظ للأوّل قال :
حدَّثنا مسدد ، عن عبد الوارث ، عن الجعد ، عن أبي رجاء، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، قال : مَن كره من أميره شيئاً ، فليصبر؛ فإنّه مَن خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهليّة .
حدَّثنا أبو النعمان ، حدَّثنا حماد بن زيد ، عن الجعد أبي عثمان ، حدَّثني أبو رجاء العطاردي ، قال : سمعت ابن عبّاس ، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال : مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه ، فليصبر عليه ؛ فإنّه مَن فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية(12) .
وقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) لمْ يُفارقوا هذه الجماعة المتمثِّلة في يزيد بن معاوية ، فهم مطيعون وصابرون ، ولو خرجوا كما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) لماتوا ميتة جاهلية . فهذا شمر بن ذي الجوشن من المصلِّين والداعين الله . وممّن امتثل ما رواه البخاري ومسلم ، فقد روى ابن عساكر قال :
أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنبأنا أبو عمرو الأصبهاني ، أنبأنا أبو محمّد المديني ، حدَّثنا أبو الحسن الكتاني ، أنبأنا أبو بكر القرشي ، حدَّثني هارون أبو بشر الكوفي ، حدَّثنا أبو بكر بن عيّاش ، عن أبي إسحاق قال : كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي يُصلّي معنا الفجر ، ثمّ يقعد حتّى يصبح ، ثمّ يُصلّي ، ثمّ يقول : اللهمّ ، إنّك شريف تحبّ الشرف ، وإنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي . قلت : كيف يغفر الله لك ، وقد أعنت على قتل ابن رسول الله (صلَّّى الله عليه وآله) ؟ قال : ويحك ! كيف نصنع ؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلمْ نُخالفهم ، ولو خالفناهم كنَّا شرّاً من هؤلاء الحُمر السقاة(13)(*) .
وروى أيضاً :
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن عليّ ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، حدَّثنا الحسين بن الفهم ، حدَّثنا محمّد بن سعد ، أنبأنا منذر بن إسماعيل ، حدَّثني الهيثم بن الخطاب الهدي : أنّه سمع أبا إسحاق السبيعي يقول : كان شمر بن ذي الجوشن ـ يقول الضبابي ـ لا يكاد أو لا يحضر الصلاة ، فيجيء بعد الصلاة فيُصلّي ، ثمّ يقول : اللهمّ ، اغفر لي ، فإنّي كريم لمْ تلدني اللئام .
قال ، فقلت له : إنّك لسيء الرأي ، تسارع إلى قتل ابن بنت رسول الله (صلّى الله عيله وآله) ، فقال : دعنا منك يا أبا إسحاق ، فلو كنَّا كما تقول أنت وأصحابك كنَّا شرّاً من الحمراء السقات(14) .
وهذه الروايات تدلّ على أنّ قتلته (عليه السلام) مثل باقي أهل الخلاف ممّن يعتقدون بإمامة يزيد بن معاوية ويعترفون بسلطانه ، فهو عند هذا الصنف يجب اتّباعه في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وريحانته ، ومن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وبغضه بغضه ، وحبّه حبّه .
قال السخاوي :
وقد كان شيخنا الحافظ أبو الحسن ـ يعني : الهيثمي ـ يُبالغ في الغضّ منه ، أي : من ابن خلدون ، فلمَّا سألته عن سبب ذلك ، ذكر أنّه بلغه أنّه ذكر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) في تاريخه ، فقال : قُتل بسيف جدِّه . ولمَّا نطق شيخنا بهذه اللفظة أردفها بلعن ابن خلدون وسبِّه وهو يبكي . قال شيخنا في رفع الإصر : ولمْ توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن ، وكأنّه كان ذكرها في النسخة التي رجع عنها(15).
وقال الآلوسي :
قال ابن الجوزي عليه الرحمة في كتابه السرّ المصون : من الاعتقادات العامّة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أنْ يقولوا : إنّ يزيد كان على الصواب ، وإنّ الحسين (عليه السلام) عنه أخطأ في الخروج عليه . ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة وألزم الناس بها ، ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح ، ثمّ لو قدَّرنا صحّة عقد البيعة فقد بدت منه بوادٍٍٍ كلّها توجب فسخ العقد ، ولا يميل إلى ذلك إلاّ كلّ جاهل عامي المذهب يظنّ أنّه يغيظ بذلك الرافضة (16) .
وقال المناوي في تعريضه بابن العربي :
وقد غلب على ابن العربي الغضُّ من أهل البيت (عليهم السلام) حتّى قال : قتله بسيف جدِّه .
وأخرج الحاكم في المستدرك ، عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنهم) : أوحى الله تعالى إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفا ً. قال الحاكم : صحيح الإسناد . وقال الذهبي : وعلى شرط مسلم(17) .
وذكر السيوطي والمناوي ، واللفظ للأوّل ، قال :
ومن مجازفات ابن العربي ـ صاحب كتاب العواصم والقواصم ـ أنّه أفتى بقتل رجل عاب لبس الأحمر ؛ لأنّه عاب لبسة لبسها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقُتل بفتياه كما ذكره في المطامح ، وهذا تهوُّر غريب وإقدام على سفك دماء المسلمين عجيب ، وسيخاصمه هذا القتيل غداً ، ويبوء بالخزي من اعتدى ، وليس ذلك بأوَّلِ عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه . فقد ألَّف كتابًا في شأن مولانا الحسين ـ (عليه السلام) وكرَّم وجهه ، وأخزى شانئه ـ زعم فيه : أنّ يزيد قتله بحقٍّ بسيف جدِّه ، نعوذ بالله من الخذلان . . .(18) .
وقال الآلوسي في تفسيره :
وأبو بكر بن العربي المالكي ـ عليه من الله تعالى ما يستحقّ ـ أعظم الفرية فزعم أنّ الحسين (عليه السلام) قُتل بسيف جدِّه (صلّى الله عليه وآله) ، وله من الجهلة موافقون على ذلك : {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف : 5].
فحال هؤلاء وأمثالهم حال الذين وجدوا في ذلك الزمان وقاتلوا الحسين (عليه السلام) ، ونصروا يزيد بن معاوية دفاعاً ودباً عنه ، لكي لا يموتوا ميتة جاهليّة .
وما أقول إلاّ : الحمد لله على الولاية لمحمّد وآله (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم إلى يوم الدين ، والحمد لله الذي قال : {الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة : 14، 15] .
ــــــــــــــــ
(1)انظر إلى أهل الكوفة مثلاً أيّام أمير المؤمنين (عليه السلام) دون بقيّة البقاع الإسلاميّة ؛ فإنّهم يعتبرون من المشايعين والمتبعين له (عليه السلام) ، ولكنّهم لا يعتقدون بإمامته بالنصّ ، بل يعتقدونه خليفة للمسلمين من غير نصّ كبقيّة الخلفاء ، كما هي عقيدة أكثر المسلمين في زمانه (عليه السلام) ، إلاّ ثلّة قليلة جداً ممّن اعتقد بهذا الاعتقاد ، مثل : سلمان المحمّدي والمقداد ، ومالك الأشتر وغيرهم ممّن اتّبعوا أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، كما عليه الشيعة الاثنا عشريّة غابراً وحاضراً .
فها أهل الكوفة مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولكنّه أراد أنْ ينهاهم عن صلاة التراويح جماعة وفي وقت خاصّ تركوه ونادوا : واعمراه ! مع أنّ الشيعة بالمعنى الخاصّ لا يؤمنون بأقوال عمر فضلاً عن خلافته حتّى ينادوا بهذا ، قال عبد الحميد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 12 / 283 :
وقد روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمَّا اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أنْ ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرَّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة ، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدُّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السلام) فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه !
(2) وهذه حقيقة مبذولة فلا تحتاج إلى كلفة ، وواضحة فلا تحتاج إلى بيان . فانظر إلى ما ذكره نافع ابن هلال (قدّس سرّه) عندما حزن الإمام الحسين (عليه السلام) على مقتل قيس بن مسهر الصيداوي (قدّس سرّه) وما فعل به في الكوفة ، ففي مقتل الخوارزمي 1 / 336 ، قال :
قال ، وقال للحسين (عليه السلام) رجل من شيعته ، يُقال له هلال بن نافع الجملي : يابن رسول الله ، أنت تعلم أنّ جدَّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمْ يقدر أنْ يشرب الناس محبّته ، ولا أنْ يرجعوا إلى ما كان أحبّ ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمرَّ من الحنظل، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه .
وأنّ أباك عليّ (عليه السلام) قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه . وأنت اليوم ـ يابن رسول الله ـ على مثل تلك الحالة ، فمَن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرَّ إلاّ نفسه ، والله تبارك وتعالى مغنٍ عنه ، فسر بنا ـ يابن رسول الله ـ راشداً معافىً ، مشرِّقاً إنْ شئت أو مغرِّباً ، فو الله الذي لا إله إلاّ هو ، ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنَّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك .
(3) وقد ذكرنا شيئاً من أحواله في كتاب مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من موروث أهل الخلاف في بحث تسمية أهل البيت (عليهم السلام) أبناءهم بأسماء أعدائهم في الفصل الثالث عشر، كتخلُُُُّفه عن بيعة أبي بكر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وذكرنا أيضاً خروجه على أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة الجمل .
(4) وزياد ابن أبيه لا يختلف اثنان في أنّه من أخبث المعادين والمعاندين لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ، مع أنّه كان يُعرف قبلُ بالتشيع . وهذا واضح لا سترة عليه ، والكتب التاريخيّة مليئة بهذا . وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في كتاب مقتل أبي عبد الله من موروث أهل الخلاف ، في الفصل السادس في ترجمة ابنه عبيد الله بن زياد .
ومنه ما ذكر في شرح نهج البلاغة 11 / 44 ، قال عبد الحميد المعتزلي :
وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب ( الأحداث ) ، قال : كتب معاوية نسخةً واحدةً إلى عمَّاله بعد عام الجماعة أنْ برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته . فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً (عليه السلام) ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته .
وكان أشدُّ الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة مَن بها من شيعة عليّ (عليه السلام) ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة ، وضمَّ إليه البصرة ، فكان يتتبَّع الشيعة وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام عليّ (عليه السلام) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل ، وطرفهم وشرَّدهم عن العراق ، فلمْ يبقَ بها معروف منهم . . . إلخ .
وجاء في تاريخ اليعقوبي 2 / 230 :
وكانت بينه ـ زياد ابن أبيه ـ وبين حجر بن عدي مودّة ، فوجَّه إليه فأحضره ، ثمّ قال له : يا حجر ، أرأيت ما كنت عليه من المحبّة والموالاة لعليّ (عليه السلام) ؟ قال : نعم . قال : فإنّ الله قد حوَّل ذلك بغضة وعداوة . أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية ؟ قال : نعم . قال : فإنّ الله قد حوَّل ذلك محبّة وموالاة ، فلا أعلمنَّك ما ذكرت عليّاً (عليه السلام) بخير ، ولا أمير المؤمنين معاوية بشرِّ .
وفي لسان الميزان 2 / 493 ، قال ابن حجر :
وكان زياد قويَّ المعرفة جيِّد السياسة، وافر العقل. وكان من شيعة عليّ (عليه السلام) ، و ولاه إمرة القدس ، فلمَّا استلحقه معاوية صار أشدَّ الناس على آل عليّ (عليه السلام) وشيعته، وهو الذي سعى في قتل حجر بن عدي . . .. إلخ .
وفي سير أعلام النبلاء 3 / 496 ، قال الذهبي ، قال أبو الشعثاء : كان زياد أفتك من الحجّاج لمَن يخالف هواه .
وقال ابن شوذب : بلغ ابن عمر أنّ زياداً كتب إلى معاوية : إنّي قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة ، وسأله أنْ يولِّيه الحجاز . فقال ابن عمر : اللهمّ ، إنّك إنْ تجعل في القتل كفارة فموتاً لابن سميّة لا قتلاً . فخرج في إصبعه طاعون فمات .
قال الحسن البصري : بلغ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنّ زياداً يتتبَّع شيعة عليّ (عليه السلام) بالبصرة فيقتلهم ، فدعا عليه . وقِيل : إنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن (عليه السلام) فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين .
وفي مجمع الزوائد 6 / 266 ، قال الهيثمي : وعن الحسن قال : كان زياد يتتبع شيعة عليّ (عليه السلام) فيقتلهم ، فبلغ ذلك الحسن بن عليّ (عليهما السلام) . فقال : (( اللهمّ ، تفرَّد بموته فإنّ القتل كفارة )) . رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح . وهذه مرويّات بأسانيد متعدّدة كما في المعجم الكبير للطبراني وتاريخ دمشق لابن عساكر .
(5) وهذا ملموس بالوجدان لكلّ أحد إلاّ مَن أراد أنْ يخلط الحقَّ بالباطل ويسلو بنفسه عن الحساب ، وعدم التوبة بما يُوحي له الشيطان . فأذكر لك ما يبيِّن هذه الحقيقة الوجدانيّة ، فقد ذكر أبو الوداك ـ في أحوال مَن كثَّر السواد ، وإنْ لمْ يقتل أحداً مع ما ذكرناه في كتاب المقتل ـ شمول عقاب قتلة الحسين (عليه السلام) لمَن كثَّر سواد جيش يزيد بن معاوية (لعنه الله) .
روى الطبري في تاريخه 3 / 325 ـ 326 ، قال :
قال أبو مخنف ، حدَّثني نمير بن وعلة : أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني ، كان يقول : أنا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه ، حشأته سهماً فما لبث أنْ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده ، وهو يقول :
إنْ تعقروا بي فأنا ابنُ الحُرِّ أشجـعُ من ذي لبدٍ هِزَبْرِ
قال : فما رأيت أحداً قط يفري فريه .
قال ، فقال له أشياخ من الحيّ : أنت قتلته ؟ قال : لا والله ما أنا قتلته ، ولكن قتله غيري ، وما أحبّ أنّي قتلته .
فقال له أبو الوداك : ولِمَ ؟ قال : إنّه كان ـ زعموا ـ من الصالحين ، فو الله لئن كان ذلك إثماً ، لأنْ ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليَّ من أنْ ألقاه بإثم قتل أحد منهم . فقال له أبو الوداك : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين ، أرأيت لو أنّك رميت ذا فعقرت ذا ، ورميت آخر ووقفت موقفاً ، وكرّرت عليهم وحرَّضت أصحابك ، وكثَّرت أصحابك ، وحمل عليك ، فكرهت أنْ تفرَّ وفعل آخر من أصحابك كفعلك ، وآخر وآخر ، كان هذا وأصحابه يقتلون ، أنتم شركاء كلّكم في دمائهم . فقال له : يا أبا الوداك ! إنّك لتقنطنا من رحمة الله ، إن كنت وليَّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك إنْ غفرت لنا . قال : هو ما أقول لك . انتهى .
(6) وأمَّا مَن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ، مثل : حبيب بن مظاهر وغيره من الشيعة الموالين ، فهؤلاء لمْ يسمع لهم ذكر مع مسلم بن عقيل (عليه السلام) ؛ وذلك للأحداث التي حتَّمت تعجيل الخروج ، ولكبر الكوفة واتّساعها وانتشار الشيعة مع قلَّتهم في أقطارها ، وقصر المدّة الزمنيّة التي خرج فيها مسلم بن عقيل (عليه السلام) ، فلمْ يمكّنهم الحضور لبعدهم ولضيق الوقت ، فمَن حضر هم خصوص من سمع نداء : يا منصور أمت ، وهم القريبون فقط .
ولا يُبعد أيضاً فرض الإقامة الجبريّة على بعض هؤلاء والسجن على البعض الآخر ؛ وذلك لأنّ مثل هؤلاء كانوا معروفين بالتشيع لأهل البيت (عليهم السلام) ، والمدّة التي كان ابن زياد (لعنه الله) يبحث فيها عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) كافية لذلك .
وقد تقدّم في الهامش الثاني والرابع ، من هوامش الأمر الثاني عشر : موقف من كتب من الشيعة إلى الإمام .
الحسين (عليه السلام) في مقتل ميثم (قدّس سرّه) ـ بنقل ابن حجر العسقلاني ـ ما يبيّن شيئاً من ذلك كحبس المختار ، وقتل ميثم قبل وصول الحسين (عليه السلام) إلى العراق بعشرة أيّام .
(7) تاريخ الطبري 3 / 114 .
(8) تقدّم كلّ ذلك في الأمر الثالث ، تحت عنوان : اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم ، ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء .
(9) وفي تاريخ الطبري 3 / 314 قال ، قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) عزرة بن قيس الأحمسي ، فقال : ائته فسله ما الذي جاء به ؟ وماذا يُريد ؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين (عليه السلام) فاستحيى منه أنْ يأتيه . قال : فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلّهم أبى وكرهه .
(10) نعم يبغضونهم نظريّاً ، أي : من جهة الموازين العقلائيّة ؛ وأمَّا عملياً ، فهم يوالونهم كما يتّضح في تراجمهم .
(11) سير أعلام النبلاء، الذهبي / 3 ص549.
(12) صحيح البخاري 8 / 87 ، وفي ط / 2588 ، صحيح مسلم 6 / 21 .
(13) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر 23 / 189 .
(*) قال اليافعي في كتاب مرآة الزمان وعبرة اليقظان / 281 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة :
سنة أربع وستّين في أوّلها هلك مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة ، عجَّل الله قصمه ، والعجب أنّه شهد الوقعة وهو مريض في محفَّة كأنّه مجاهد في سبيل الله . وكذلك عجَّل الله تعالى يزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوماً منها ، وله ثمان وثلاثون سنة ، بايع له أبوه الناس في حياته .
أقول : واليافعي متعجِّب من أنّ ما فعله مسلم بن عقبة جهاد في سبيل الله ، وهذا ما صرَّح به بعض المؤرِّخين ، وهذه هي عقيدة من زيَّن لهم الشيطان أعمالهم فجعلهم يتقرَّبون إلى الله بما هو مبغوض له سبحانه وتعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) . سورة الكهف / 103 ـ 104 .
وهذا ديدنهم في التقرب إلى الله بدماء أوليائه الأبرار الأخيار ، فانظر إلى ما ذكره مسلم بن عقبة ، فقد روى ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة ، تحقيق الشيري 1 / 231 ، وتحقيق الزيني 1 / 179، قال :
وكان معاوية قد أوصى يزيد ، فقال له : إنْ رابك منهم ريب ، أو انتقض عليك منهم أحد ، فعليك بأعور بني مرَّة مسلم بن عقبة . فدعا به فقال : سرْ إلى هذه المدينة بهذه الجيوش ، وإنْ شئت أعفيتك ؛ فإنّي أراك مدنفاً منهوكاً . فقال : نشدتك الله أنْ لا تحرمني أجراً ساقه الله إليَّ ، أو تبعث غيري ؛ فإنّي رأيت في النوم شجرة غرقد تصيح أغصانه : يا ثارات عثمان ! فأقبلت إليها ، وجعلت الشجرة تقول : إليَّ يا مسلم بن عقبة . فأتيت فأخذتها ، فعبَّرت ذلك أنْ أكون أنا القائم بأمر عثمان ، ووالله ، ما صنعوا الذي صنعوا إلاّ أنْ الله أراد بهم الهلاك . فقال يزيد : فسرْ على بركة الله ، فأنت صاحبهم .
وها هو يقول : لئن دخلت النار بعد قتلي أهل الحرّة إنّي إذاً لشقي . كما في وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان لابن خلكان / 4872 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
فهذا حالهم ، والنواصب في كلّ زمان على منوالهم ، وحجّتهم في ذلك الرؤيا وغيرها من الخزعبلات ! فهؤلاء هم أعداء الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ، إذ تراهم يتقرّبون إلى الله بدماء أوليائه .
فانظر أيضاً إلى ابن ملجم عليه (لعنه الله) كيف يتقرَّب بقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فها هو يرفع السيف وهو ينادي : الحكم لله ، لا لك يا عليّ (عليه السلام) ، وضربه على قرنه بالسيف . فقال عليّ (عليه السلام) : (( فزت وربّ الكعبة )) . الإمامة والسياسة 1 / 180 .
وكذا الملعون شمر بن ذي الجوشن ، فإنّه يتقرَّب بدم الإمام الحسين (عليه السلام) . وكذا معاوية يرى أنّ موت الإمام الحسن (عليه السلام) من تجدُّد النعم عليه حتّى إنّه خرَّ ساجداً هو وذووه لمَّا سمعوا بموته ، كما في الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني 1 / 150 ، وتحقيق الشيري 1 / 196. وفي ربيع الأبرار ونصوص الأخبار / 2690 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة . وفي محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء / 4010 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
وكذلك ما فعله مسلم بن عقبة بأهل مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سفك دمائهم وإباحة أموالهم ، وهتك أعراضهم تقرُّباً إلى الله تعالى .
وما زالت هذه الطبيعة مخزونة فيهم موروثة من أسلافهم ، إذ تجد الكثير يحلِّل بل يحبِّب إباحة دم الشيعة الاثني عشريّة ، ويجعل دم الشيعي بألف حسنة ، ودم الكافر الملحد واليهودي بعشر حسنات كما هو مكتوب ـ في هذا الزمان ـ على جدران بعض المنازل في العراق من النواصب ، فيتقرَّبون بذبح الشيعة وهتكهم ، وينادون عند ذبحهم : لا حكم إلاّ لله ، والله غالب على أمره ، ويردِّدون كلمة : الله أكبر ، وذلك لا لشيء سوى أنّهم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ، كما هو حاصل أيضاً في أيّامنا هذه في العراق وافغانستان والهند ، وغيرها على أيدي النواصب لا غفر الله لهم أبداً ، وجعل كيدهم في نحورهم .
(14) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر 23 / 188 .
(15) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، السخاوي 4 / 147 ، ترجمة ابن خلدون ، ط دار الجيل .
(16) تفسير الآلوسي 26 / 73 .
(17) فيض القدير ، المناوي 1 / 265 .
(18) الجامع الصغير ، للسيوطي 1 / 365 ، فيض القدير ، المناوي 5 / 246 .