شبهات و ردود

الهدف من هذه الرسالة
قد أثبتت الأيام بأن كثيرا من أهل السنة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت (عليه السلام) كما الشيعة ، بل ويتوسلون بهم ، فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت (عليه السلام) في المدينة المنورة والعراق ومصر وخراسان ، متوسلين باكين متباركين مما أوغر صدورا خصبة يرتع فيها الشيطان ، فجاء أولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الأمر ليهدموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهرين (عليه السلام) .
إنا نعتقد جازمين بأن المنصفين من أهل السنة لا يقيمون وزنا لأمثال أولئك المتعصبين الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها ، وحمل الأسفار دون أن يفهموها حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة التي توزع في أيام عزاء سيد الشهداء وإحياء ذكرى مصابه ، منددة بمثل هذه الشعائر الإسلامية مفرقة بيننا كمسلمين . يستغل أصحابها اختلافنا في الاجتهادات ، غافلين عن اجتماعنا على محبة أهل البيت (عليه السلام) الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.
من الذي يفرق بين المسلمين ؟
إننا لنعجب ممن ينشر تلك المنشورات ، فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة ( لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنويا ) إلا أنه يغفل عن أنه هو زارع الفرقة بما تحويه منشوراته من مغالطات وأكاذيب ، فيا عجبا لهذا الكاتب الجاهل الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين (عليه السلام) زرعا للشقاق بين المسلمين ، ويغفل عن أنه غارق في إيذاء المسلمين بنشر أكاذيبه في كل سنة .
وللمتابع أن يلاحظ أن الشيعة منذ زمن طويل يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة بجوار إخوانهم السنة وفي قلب مناطقهم بكل رحابة صدر ، فأي شقاق تحقق لولا بروز تلك الدعوات الشاذة ؟ نعم إن بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودة ؟
ولو أن هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير ، ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليـُؤمَن شر لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات ، ولساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنة والشيعة المحبين لأهل البيت (عليه السلام)، ولكن كيف ذلك ؟ وهل يرجى القبول بالحق ممن سيطر عليه قرينه ؟
المنشور الأسود
تناولت الشرذمة المتئسلمة في منشورها قصة مقتل الحسين (عليه السلام) ، وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم، ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبين لك أيها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة
التاريخ الإسلامي وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته ، وسيتبين لك من خلال هذه المناقشة أنهم انتقائيون في قراءتهم التاريخ قائدهم الهوى ، فلا أصول علمية عندهم ولاهم يحزنون !
وهنا نتعرض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات مع بعض الردود الكافية لفضح تعصبهم ، والله المستعان .
1- لماذا لم يتخذ يوم وفاة النبي (صلى الله عليه واله) مأتما ؟
في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير : " ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما " .
نقــول : إن هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحق ، فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول (صلى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) وغيره من الأئمة .
وإن كان يقصد التميز الموجود في إحياء ذكرى سيد الشهداء (عليه السلام) فليعلم أن ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) هي ذكرى مأساة لا مثيل لها ، فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها وبراءتنا ممن قتل سبط الرسول وحبيبه ، ونعلن أننا نواليه وندين ما فعله أعداؤه .
إن زيارة خاطفة يقوم بها أي من المنصفين لهذه المجالس ودور العبادة والحسينيات المباركة ، يجد أننا نبكي على رسول الله (صلى الله عليه واله) وأهل بيته جميعا ونتبرك بذلك ، فليس البكاء مخصوصاً للحسين (عليه السلام) ، هذا فضلاً عن الأحاديث النبوية وعن أهل البيت عليهم السلام التي تبين خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام وأهميتها عند الرسول وأهل بيته، فنحن نتأسى بهم .
ظهور الكرامات عند مقتل الحسين(عليه السلام)
قال الكاتب : " ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة "
نقــول : أن هذا جهل من الكاتب ØŒ أو كذب مبين ØŒ فإن الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم ØŒ وقد كذب من قال أنه لم يتحقق في السابقين شيء من تلك الأمور ØŒ فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره ج3 ص 28 : " وقد روى ابن جرير … عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا فسألهم ما هذا الدم ØŸ فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن ØŒ وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور " .

وقال في كتابه ( قصص الأنبياء ) ص 416 : " وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام … عن سعيد بن المسيب قال : قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن ØŒ وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وإن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري … فالله أعلم .
ثم روى قصة مقتل يحيى عن ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية ثم قال : " قال سعيد بن عبدالعزيز : وهي دم كل نبي ØŒ ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا (عليه السلام) فقال : أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله فسكن … " .
جريمة قتل الحسين (عليه السلام) وجريمة قتل نبي الله يحيى (عليه السلام) !
إن الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين (عليه السلام) فقد روى الحاكم في مستدركه ج3 ص 178 ( 195 ) بستة طرق عن أبي نعيم : ثنا عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( رض ) قال : " أوحى الله تعالى إلى محمد (صلى الله عليه واله) إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا " ،
إن هذا الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطرا عظيما يعادل قتل نبي الله يحيى عليه السلام !! فكيف يصح لمن يدعي العلم أن

3- مقتل الحسين (عليه السلام)
قال الكاتب مدعيا أنه ينقل قصة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم : " بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يريدون إلا عليا وأولاده " .
نقــول :
أولاً: لم يحدد الكاتب المصدر الذي اعتمده ، وهذا أول التدليس ! ، فأين الثقاة الذين قال إنه ينقل عنهم ؟!!
ثانياً: حاول الكاتب أن يظهر أن قتلة الحسين هم من الشيعة الذين يرفضون أبا بكر وعمر وأنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده .
والجواب: أنهم شيعة آل أبي سفيان كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام ØŒ وهذه بعض النصوص التي تبين مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن، فقد نقل ابن بطة أحد علماء السنة في ( المنتقى ) ص360 : " عن عبد الله بن زياد بن جدير قال : قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة قال لنا شمر بن عطية : قوموا إليه فجلسنا إليه فتحدثوا فقال أبو إسحـاق : خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون ولا والله ما أدري ما يقولون " . وقال محب الدين الخطيب في حاشية المنتقى : " هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين وعمّر حتى توفي سنة 127هـ وكان طفلا في خلافة أمير المؤمنين علي … " .
إذاً ، فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاما في سنة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ، ومنه نفهم بأن الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله : " ليس منهم أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما " ، وبناءا على ذلك فالذين كاتبوا الإمام الحسين (عليه السلام) ثم خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة يقدمون علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أبي بكر وعمر .
وقد ذكر التاريخ أن عبيد الله بن زياد قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام ، حتى امتلأت سجونه منهم .. فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت !
" التشيع بلا غلو ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة … فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه وتعرض لسبهم ".
هذا ما يرد كلامه من نصوص السنة ØŒ وأما من نصوص الشيعة : فمنه ما ذكره الكليني في ( روضة الكافي ) ص50 في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال عنها العلامة المجلسي في مرآة العقول ج25ص131 : " إن الخبر عندي معتبر لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب ( منتخب البصائر ) ": عن سليم بن قيس الهلالي قال :خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) … فقال: " قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه واله) متعمدين لخلافه ØŒ ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) … إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ØŒ ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذا الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار "
وهذا يثبت للقاريء بأن أكثرية الذين راسلوا الحسين (عليه السلام) من أهل الكوفة لم يكونوا ممن يقدمونه على غيره كما يفعل الشيعة الموالون ، كيف وأهل الكوفة لم يقدموا علياً (عليه السلام) على الخليفتين وهو أولى بالتقديم من الحسين (عليه السلام) ؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب ، الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم ، ولم يذكر مصدراً واحداً يثبت مزاعمه الباطلة !!
4- الصحابة ومنعهم الحسين (عليه السلام) عن الخروج :
قال الكاتب :
" وحاول منعه كثير من الصحابة ونصـحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم " ، وندعو القارئ هنا لتفحص حقيقة كلام الكاتب : نقــول لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل إنه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) وطاعته ، لا أنه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب !! فنحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر المسلمين بأن أمته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء ! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك .
نعم ، الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وروايات الشيعة والسنة تؤكد ذلك ، فهذه عمرة بنت عبدالرحمن كما ذكر ابن كثير في ج8 ص 176 ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول : " أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : " يقتل الحسين بأرض بابل " ، فلما قرأ كتابها قال : فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى " .
وذكر أيضا في ص 180 قال (عليه السلام) للفرزدق : " لو لم أعجل لأخذت " .
وكذلك ما رواه في ص183 عن يزيد الرشك من قوله (عليه السلام) :
" ولا أراهم إلا قاتليَّ " !
وعن معاوية بن قرة أن الامام الحسين قال : " والله لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت " !
وعن جعفر الضبعي عنه (عليه السلام) :" والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي" .
وذكر ابن كثير في ص 185 قول الإمام الحسين لمن طلب منه الرجوع: " إنه ليس بخفي علي ما قلت وما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره ، ثم ارتحل قاصدا الكوفة " !
فخروج الحسين (عليه السلام) كان بعلم منه بقتلـه ، بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضاً .
وأما نصائح من ذكرهم الكاتب ، فنقــول :
- نصيحة ابن عباس للحسين (عليه السلام) : نقل ابن كثير ج 8ص172 عن ابن عباس قال : " استشارني الحسين بن على في الخروج فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذي رد على أن قال لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذي سلى نفسي عنه "
إذاً ، فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أن بني أمية قد عزموا على قتله أينما كان ، وأن خروجه إنما هو لئلا يستحل بيت الله الحرام ، وتفهّم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام!

وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه !!
روى الحاكم عن ابن عباس ( رض ) قال أوحى الله تعالى إلى محمد (صلى الله عليه واله) : " إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا " ، هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : " إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم بن ابنتك " وقد مر تصحيح الحاكم والذهبي للحديث ، وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدا بمكانة الإمام الحسين (عليه السلام) عند الله تعالى ، لا ينالها إلا صاحب حق ، وإلا فهل يدعي الكاتب أن المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم .. يقارنه الله بيحيى النبي (عليه السلام) ، بل يغضب له غضبا يفوق غضبه وانتقامه لـه ؟ البصير يفهم .. وأما عمى القلب فمرض عضال .
ونقل الحاكم أيضا في ( المستدرك ) ج4ص439 ( 8201 ) عن ابن عباس ( رض ) قال : "رأيت النبي (صلى الله عليه واله) فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم فقلت :يا نبي الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، قال : فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم " ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : على شرط مسلم
قال ابن كثير في تاريخه ج8 ص 217 : " وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا محمد بن هارون أبو بكر ثنا إبراهيم بن مجمد الرقي وعلي بن الحسن الرازي قالا ثنا سعيد بن عبدالملك أبو واقد الحراني ثنا عطاء بن مسلم ثنا أشعث بن سحيم عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: " إن ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد منكم ذلك فلينصره "
قال خرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين , ويظهر من ابن حجر في ترجمة أنس بن الحارث ج1 ص 68من كتابه ( الإصابة ) قبوله للرواية قال : " قتل مع الحسين بن علي سمع النبي (صلى الله عليه واله) قاله محمد عن سعيد بن عبد الملك الحراني عن عطاء بن مسلم حدثنا أشعث بن سحيم عن أبيه سمعت أنس بن الحارث ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ومتنه سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول إن ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد منكم فلينصره قال فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين قال البخاري يتكلمون في سعيد يعني راويه وقال البغوي لا أعلم رواه غيره وقال ابن السكن ليس يروى إلا من هذا الوجه ولا يعرف لأنس غيره ، قلت وسيأتي ذكر أبيه الحارث بن نبيه في مكانه ووقع في التجريد للذهبي : لا صحبة له وحديثه مرسل وقال المزي له صحبة فوهم ، انتهى .
ولا يخفى وجه الرد عليه مما أسلفناه وكيف يكون حديثه مرسلا وقد قال سمعت وقد ذكره في الصحابة البغوي وابن السكن وابن شاهين والدعولي وابن زير والباوردي وابن مندة وأبو نعيم وغيرهم". انتهى كلام ابن حجر .
والبخاري إن عبر عن سعيد بقوله " يتكلمون في سعيد " وهي تفيد بأنه غير جازم بشيء ضده ، لكن ابن حبان ذكره في كتابه الثقات : ج8 ص 267 .
فهل يأمر رسول الله (صلى الله عليه واله) بنصرة شخص مخطئ ، أم هو التعصب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة ، وذلك كطريق وحيد لرد الرواية وما يترتب عليها .
- نصيحة ابن عمر ، المزعومة !
أما عبدالله بن عمر فقد كان معروفاً بمبدأ الخضوع للحاكم مهما كان، حيث بايع يزيد وهو يعلم أنه شارب الخمور مرتكب الفجور .. ولم يترك هذا المبدأ إلا عند بيعة الأمة لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو من هو ، ( راجع ابن كثير ج7 ص 253 ) ، وقد ندم على فعله !
فالذي يندم على أفعاله ، ويبايع يزيد مع أقل تهديد ، كيف يعتد الامام الحسين (عليه السلام) بموقفه ونصحه ؟
كما أن ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت ، وحتى لو ثبت ، فقد عرفت أن الإمام الحسين عليه السلام يعمل بما أمر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى !
- نصيحة ابن الزبير المزعومة
وأما خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول، لأن مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك فقد كان ينصح الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخرج إلى العراق ، وقد نقل ابن كثير ج 8ص172 قول ابن الزبير : " أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت عنها فلما خرج من عنده قال الحسين : قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معي شيء وأن الناس لم يعدلوا بي غيري فود أني خرجت لتخلو له " ، ونقل في ص175 : "ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري وجعل يحرض الناس على بني أمية وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير إليه أن يقدم العراق ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك " .
حتى قد ظن أبو سلمة بن عبد الرحمن بأن الحسين خرج متأثراً بكلام ابن الزبير ، ففي ص176 أورد ابن كثير : " وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير ، وكتب إليه المسور بن مخرمة : " إياك أن تغتر بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير الحق بهم فإنهم ناصروك ".
ومن مسلمات التاريخ أن ابن الزبير لم يكن يوما ما ناصحا للإمام الحسين (عليه السلام) بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه ج 8ص 178 قول ابن عباس لابن الزبير وهو مغضب : " يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرت عينك هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز " ، وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص 297 : " فقال ابن عباس للحسين لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت ثم بكى وقال أقررت عين ابن الزبير ثم قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد الله يخرج إلى العراق ويتركك والحجاز يا لك من قـنبرة بمعـمر خلا لك البر فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري صيادك اليوم قتيل فابشـري
- نصيحة ابن عمرو المزعومة لا أصل لها : من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة ØŸ! فلم يذكر التاريخ أي لقاء تم بين الحسين (عليه السلام) وعبد الله بن عمرو ØŒ بل ينقل ابن كثير ج 8ص173 خلاف ذلك عن يحيى بن معين حدثنا أبوعبيدة ثنا سليم بن حيان عن سعيد بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمرو : " عجل حسين قدره والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني ".والكاتب يقول رواه يحيى بن معين بسند صحيح ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين في حين أن سند يحيى كما في ابن عساكر مضطرب فيقول في ( تاريخ دمشق ) ج14 ص 202 يحيى بن معين نا أبو عبيدة نا سليم بن حيان قال الحراني : سليمان بن سعيد بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمر يقول : " عجل حسين قدره … " نعم قال المحقق : بالأصل عمرو والمثبت عن الترجمة المطبوعة ØŒ والمهم هنا أن سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا ØŒ فضلا عن وجود نسخ أنه ابن عمر لا عمرو بل إن الفرزدق يروي خلاف ذلك كما في طبقات ابن سعد ( ترجمة الإمام الحسين ) وهو من الجزء الذي طبع على حدة بتحقيق السيد الطباطبائي ص 63 عن الفرزدق : "قال لما خرج الحسين بن علي رحمه الله لقيت عبدالله بن عمرو فقلت له: إن هذا الرجل قد خرج فما ترى ØŸ قال : أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت الدنيا أصبتها وإن أردت الآخرة أصبتها"ØŒ فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم ØŸ!!
- نصيحة محمد بن الحنفية : روى ابن سعد ما ذكره ابن عساكر في ج14 ص211 : " وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسينا بمكة وأعلمه أن الخروج ليس له برأي "
ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك فقد ذكر في ج4 ص253 أنه قال : " تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك … " .
وبهذا يتضح أن محمد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ولكن اقترح تفاصيل أخرى ، فأجابه الحسين (عليه السلام) : " يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا " .
هذا وللحسين جواب شامل لكل من عارضه على الخروج هو ما ذكره ابن كثير في ج8ص176 في رده على عبد الله بن جعفر الذي كتب له كتابا يحذره أهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم فكتب إليه الحسين : " إني رأيت رؤيا ورأيت رسول الله (صلى الله عليه واله) أمرني بأمر وأنا ماض له ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقي عملي " .
الحسين وأهل الكوفة ؟
يظن البعض بأنهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسين عليه السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسين (عليه السلام) تذبذب نفوس أهل الكوفة وقد عاشرهم إبان حياة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، ولم ينس قوله فيهم : " اللهم إني قد مللتهم وملوني " وقوله : " يا أشباه الرجال ولا رجال".وقد كانت خيانتهم للحسن عليه السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء علي (عليه السلام) عليهم .
وقد صرح عليه السلام بأنه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أن خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسين عليه السلام وتكذيب لجده المصطفى صلى الله عليه وآله بأنه سيد شباب أهل الجنة .
وسوف يسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبي الطاهرين .